إن بلادة الألفة قد
تنسى الإنسان أن يتفكر في آيات الله جل وعلا ، في هذه القبة السماوية
الزرقاء مع أنك لو نظرت إليها بعين التدبر والتفكر لوجدت رب الأرض والسماء
رفعها بغير عمد ترونها وزينها بالكواكب ، والنجوم ، والشموس والأقمار ،
إنه جمال متجدد متعدد بالألوان من ليلة مظلمة ، لليلة صافية لشروق ، لصباح
، لليلة باردة ، لليلة حارة ، جمال متجدد جمال متعدد .
انظر إلى هذه الآية لتتعرف على عظمة الخالق جل جلاله (
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (الذريات/47) ، وقال تعالى : (
فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (الواقعة/76) وقال تعالى : (
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) (قّ/6) .
تدبر
، انظر إلى هذه النجمة الوحيدة التي انفردت بعيدا بعيدا وحدها في أفق
السماء وكأنها عين طفلة جميلة تلتمع بالبراءة والصفاء ، ثم انظر إلى هاتين
النجمتين المنفردتين كأن كل واحدة منها تناجى الأخرى ، ثم انظر إلى هذه
المجموعة المتضامنة المتشابكة ، وكأنها قد انضمت إلى بعضها البعض في عرس
بهيج سعيد جميل .
انظر إلى هذه الآيات لتتعرف على عظمة رب الأرض والسماوات ثم انظر إلى الشمس ، وانظر إلى القمر (
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ(37)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (يّـس/38) ، (
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (يّـس/40)
لقد
قال رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك : لقد توصلنا بعد عديد من التجارب
والدراسات أن هذا الكون كان نتيجة عملية خلق مبدعة ، نعم إنه كتاب مفتوح
يملأ القلب بالإيمان بالله ، بمعرفة الله تعالى .
الشمس والبدر من لآثار قدرتهوالبر والبحر فيض من عطاياهوالطير سبحه والوحش مجدهوالموج كبره والحوت ناجاهوالنمل تحت الصخور الصم قدسهوالنحل يهتف حمدا في خلاياهوالناس يعصونه جهرا فيسترهموالعبد ينسى وربى ليس ينساهأيها الأحبة في الله: لو ترك القمر مداره الذي يدور فيه وحدده له مدبر الكون ، لو ترك القمر
مكانه إلى أعلى أو إلى أسفل قليلا ، لاختلت حركة المد والجزر على ظهر
الأرض ، وغرق كل حي على سطح الأرض ، ولو تركت الشمس مدارها وابتعدت عن
مدارها قليلا إلى أعلى ، أو إلى أسفل لو ارتفعت قليلاً لتجمد كل حي على
ظهر الأرض، ولو نزلت إلى الأرض عن مدارها قليلا لاحترق كل حي على ظهر
الأرض .
ألم تقرأ معي قول الله تعالى : (
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )( يس/37) آيات ، انظر إلى السماء لتتعرف على عظمة رب الأرض والسماوات ثم
ها هو القرآن ينقلنا من آيات السماء إلى جنبات الأرض وهذا هو عنصرنا
الثالث بإيجاز .
مع القرآن الكريم في آفاق الأرض :
هذه
الأرض التي نعيش عليها ونحيا ، ربما نسينا كثيرا ما أودع الله فيها من
آيات تأخذ بالقلوب والألباب ، لأنني كما ذكرت أن بلادة الألفة قد تنسى
الإنسان آيات الله الكثيرة معه في هذه الأرض (
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ(33)
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ(34)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ(35)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (يّـس/33-36) ، وقال سبحانه : (
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15) .
نعم
إن الأرض دابة ذلول ، بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ ، إن الأرض دابة ذلول،
ولكنها في الوقت ذاته دابة حلوب تدر على أهلها من الخيرات والنعم ما لا
يعد ولا يحصى (
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) (ابراهيم/34)
سل الواحة الخضراء والماء جارياًوهذه الصحارى والجبال الرواسياسل الروض مزداناً سل الزهر والندىسل الليل والإصباح والطير شادياًوسل هذه الأنسام والأرض والسماوسل كل شئ تسمع التوحيد سارياًفلو جن هذا الليل وامتد سرمدافمن غير ربى يرجع الصبح ثانياأَإِلَهٌ معَ الله ؟ أَإِلَهٌ معَ الله ؟انظر لتلك الشجرةذات الغصون النضره
كيف نمت من حبهوكيف صارت شجره
ابحث وقل من ذا الذييخرج منها الثمره
ذاك هو الله الذيأنعمه منهمره
ذو حكمة بالغهوقدرة مقتدره
وانظر لتلك الشمس التيجذوتها مستعره
فيها ضياء وكذاحرارة منتشرة
ابحث وقل من ذا الذييخرج منها الشرره
ذاك هو الله الذيأنعمه منهمره
ذو حكمة بالغةوقدرة مقتدره
لقد
أثبت العلم الحديث أن الأرض تلك الدابة الذلول المذللة المسخرة ، أثبت
العلم الحديث أن الأرض تدور حول نفسها بسرعة مذهلة تصل إلى (1000) ميل في
الساعة .
تصور .. وأنت لا تشعر بهذه الحركة ، لأنها ذلولة مذللة
تدور حول نفسها بسرعة تقدر بـ (1000) ميل في الساعة الواحدة ، وتدور الأرض
حول الشمس بسرعة تقدر بحوالي (65000) ميل في الساعة الواحدة ، ثم تدور مع
المجموعة الشمسية دورة أخرى كاملة بسرعة تقدر بـ (20000) ميل في الساعة
الواحدة وراكبها لا تتمزق أشلاؤه ، ولا تتحطم أعضاؤه ، لأنها دابة ذلول
ذللها ربنا جل وعلا وسخرها لبنى الإنسان ليعيش عليها هانئاً آمناً مطمئناً
وفي الوقت ذاته ربما يتجرأ بالكفر بالله جل وعلا وربما يتجرأ على معصية
الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
هذه الأرض أيها
الأحبة مشحونة بالآيات التي يجب علينا أن ننظر فيها ، وأن نتفكر فيها
لنتعرف من خلال هذه الآيات على الخالق – رب الأرض والسماوات – ليتجدد
إيماننا في قلوبنا ولنزداد حبا ومعرفة لربنا تبارك وتعالى .
وها هو القرآن ينتقل بنا من آفاق الأرض إلى مراحل الخلق .
أيها الحبيب : هل عرفت أصلك وكيفية خلقك ؟ قال تعالى : (
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ) (المؤمنون/12) هذا من حيث الأصل (
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/13-14)
يلتقي
الرجل بامرأته في الحلال الطيب ، فيلقى نطفته ، تلك النطفة التي تحتوى على
مئات الملايين من الحيوانات المنوية ، فتتسابق كل هذه الملايين من
الحيوانات المنوية لتصل إلى عروس واحدة .
نعم إنها عروس ، وما
أبعدت النجعة حينما قلت : إنها عروس ، إنها البويضة التي تخرج كعروس مزينة
لزوجها في ليلة الزفاف ، تخرج البويضة من الرحم مرة واحدة كل شهر ، تخرج
وعليها تاج مشع ، وهذه اللفظة ليست اصطلاحا بلاغياً ولا أدبياً من عندي،
بل إنها اصطلاح علمي ، تخرج وعليها تاج مشع لعلها تلفت نظر الحيوانات
المنوية الهائلة ، فتتسابق كل هذه الحيوانات لتصل إلى هذه العروس الواحدة
فتموت كل الحيوانات المنوية في الطريق ، ولا يصل إلى البويضة إلا حيوان
منوي واحد .
تلك الحقيقة العلمية الهائلة التي لم تكشف إلا في
السنوات القليلة الماضية قد أخبر بها الصادق الذي لا ينطق عن الهوى منذ
قرن ونصف تقريبا قال عليه الصلاة والسلام : " ما من كل الماء يكون الولد
وإذا أراد الله خلق شئ لم يمنعه شئ "(
1).
فإذا
وصل الحيوان المنوي إلى جدار البويضة تقوم البويضة بفرز سائل من وظائفه أن
يمسك بالحيوان المنوي على جدارها ، فإذا التصق الحيوان المنوي بجدار
البويضة أفرز هو الأخر سائلا ، من وظائفه أن يبدد التاج المشع على جسم
البويضة ، ليسهل عليه أن يخترق جدارها ، فإذا اخترق الحيوان المنوي جدار
البويضة أغلقت عليه وأحكمت الإغلاق ولا تسمح بعد ذلك لأي حيوان منوي آخر
أن يخترق جدارها .
اسمحوا لي أن أسأل وأقول : من الذي علم البويضة
ذلك ، قف مع كل آية ، ثم بعد ذلك تتحول النطفة الأمشاج بعد تخصيب البويضة
إلى علقه ، وسميت بالعلقة ، لتعلقها بجدار رحم المرأة ، وبعد أيام تتمايز
العلقة إلى طبقتين : طبقة خارجية ، وطبقة داخلية ، الطبقة الخارجية
وظيفتها أن تمتص الغذاء من جدار الرحم لتوصله إلى الطبقة الداخلية من
طبقتي العلقة التي هي مسؤولة بأمر رب العالمين عن نمو الجنين داخل رحم أمه
ثم تتحول العلقة إلى مضغة .
وسمى القرآن الجنين في هذه المرحلة بالمضغة ، لأن الجنين يشبه قطعة اللحم الممضوغة بالأسنان تماماً ثم تتحول المضغة إلى عظام .
أخي الحبيب: لاحظ أنني لم أقل : ثم تتحول المضغة إلى عظم بل إلى عظام إلى هيكل عظمى
في غاية التناسق والجمال والإبداع ، وانظر إلى الهيكل العظمى للإنسان ،
إلى عظام الوجه والصدر والذراعين والساقين ، والظهر سترى هيكلاًَ عظمياً
وضع بغاية الدقة والتناسق والإبداع ثم يكسى هذا الهيكل العظمى باللحم .
ثم
تأتى مرحلة الخلق الآخر ألا وهى مرحلة نفخ الروح وهنا صرخ عالم شهير من
أشهر علماء الأجنة في الأرض إنه (ألكس إسكرل) ذلكم العالم الذي راقب مراحل
نمو الجنين في رحم امرأة يوما بعد يوم وساعة بساعة ، فلما تحولت النطفة
إلى علقه ما اهتم كثيرا ، ولما تحولت العلقة إلى مضغة ، والمضغة إلى عظام
وكسيت العظام باللحم ، كان الأمر عادياً جداً عند هذا العالم ولما نفخت
الروح في الجنين وتحرك الجنين حركة كاملة في رحم أمه ، صرخ هذا العالم
صرخة وقال كلمة جميلة قال : (
Here Is God) هنا الله ، هنا الله ، من أين جاءت هذه الحياة ؟ ومن أين دبت هذه الروح ؟ (
ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/14)
ثم
انظر إلى خلقك بعد ذلك فنظرك فيك يكفيك على أن الذي يستحق أن يعبد هو الله
، فنظرك فيك يكفيك على أن الذي يستحق أن يوحد هو الله ، فنظرك فيك يكفيك
على أن الذي يستحق أن يكون الخالق المبدع هو الله .
انظر إلى الوجه
، انظر إلى العين ، انظر إلى الأنف ، انظر إلى الفم ، انظر إلى الأذن،
فلقد خلق الله العين ووضعها في علبة عظيمة قوية متينة وظللها بالرموش حتى
تعكس أشعة الشمس حتى لا تؤذى العين .
ومنَّ الله عز وجل علينا بماء
داخل العين ، إنه ماء مالح إنها الدموع ، فماء العين مالح ، وماء الأنف
حامض ، وماء الأذن مر ، وماء الفم حلو ، وأصل الماء واحد وهو رأسك أيها
الإنسان ، وجعل الله ماء الأنف حامضاً ثخيناً ثقيلاً ، لتتعلق به
الميكروبات أثناء التنفس فهو فلتر للتنقية ، وجعل الله ماء الأذن مرا حتى
لا تتسرب الحشرات لأذنك يابن آدم وأنت نائم ولا تدرى وجعل الله ماء الفم
حلو لتتذوق به ألوان الطعام أإله مع الله ؟ .
ثم انظر إلى الأسنان
، تمد يدك فتمسك الأصابع والأنامل بأسلوب جميل وتمد اللقمة إلى فمك ، أو
تضع اللقمة في فمك فتقطع القواطع وتمزق الأنياب وتطحن الضروس ويتحرك
اللسان ويفرز اللعاب .
ثم تأتى إلى هذه البوابة المنيعة الحصينة
التي تسمى بلسان المزمار التي لو تعطلت عن وظيفتها لحظة ، بل ثانية بل
ميكرو ثانية ، لربما هلك الإنسان ، هذه البوابة المنيعة التي تسمى بلسان
المزمار ، جعلها الله عز وجل في موطن عجيب ، فهي تسد البلعوم عند التنفس ،
وتسد القصبة الهوائية عند البلع ، حتى لا ينزل الطعام إلى المريء ، وحتى
لا ينزل التنفس إلى المعدة .
انظروا إلى دقة وعظمة الخالق تبارك
وتعالى ، إلى حكمة وعظمة الخالق تبارك وتعالى ، ثم ينزل الطعام إلى المعدة
، فتقوم المعدة بدورها ويقوم البنكرياس بدوره ، ويقوم الكبد بدوره ، وتقوم
الأمعاء الدقيقة بدورها ، والأمعاء الغليظة بدورها ، ثم يتحول هذا الطعام
إلى دم ، فيقوم القلب بدوره فيضخ هذا الدم عن طريق هذا الملك الذي استقر
في أعلى الإنسان ، ألا وهو المخ عن طريق إشارات الاستقبال والإرسال كل هذا
من صنع من ؟ كل هذا من خلق من ؟ كل هذا من صنع من ؟ كل هذا من خلق من ؟
قل للطبيب تخطفته يد الردى
يا شافي الأمراض من أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
عجزت فنون الطب من عافاكا
قل للصحيح مات لا من علة
من يا صحيح بالمنايا دهاكا
بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام
بلا اصطدام من يا أعمى يقود خطاكا
بل سائل البصير كان يحذر حفرة
فهوى بها من ذا الذي أهواكا
وسل الجنين يعيش معزولا بلا
راع ومرعى من ذا الذي يرعاكا
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكا
لدى الولادة ما الذي أبكاكا
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه
فسله من يا ثعبان بالسم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
تحيا وهذا السم يملأ فاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهدا وقل للشهد من حلاكا
بل سائل اللبن المصفى من بين
فرث ودمٍ من ذا الذي صفاكا
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
فاسأله من يا نخل شق نواكا
وإذا رأيت البدر يسرى ناشرا
أنواره فاسأله من أسراك
وإذ ترى الجبل الأشم مناطحا
قمم السحاب فسله من أرساكا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
فاسأل لهيب النار من أوراك
لله في الآفاق آيات لعل
أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناك
الكون مشحون بأسرار
حاولت تفسيرا لها أعياكاأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد
لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولى المتقين وأشهد أن سيدنا
محمداً عبده ورسوله ، قائد الغر الميامين اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه
وعلى آله وأصحابه أجمعين ..
أما بعد ..
فيا أيها الأحبة الكراموأخيرا : عتاب مخجل :
قال تعالى : (
يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) (الانفطار6-
روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن أن النبي (ص) بصق يوما على كفه ووضع
إصبعه عليها ثم قال : " قال الله تعالى : يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك
من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت
حتى إذا بلغت التراقي قلت : أتصدق وأنى أوان الصدقة "(
1)
أيها الحبيب : هذا
الإله العظيم الذي تعرفنا على شئ يسير من نعمه وآياته علينا ؟ أى يستحق أن
نفرده بالتوحيد ؟ ألا يستحق أن نفرده بالسؤال والاستعانة والتوكل والرجاء
والإنابة ؟
أيها الحبيب هيا جدد إيمانك به جلا وعلا ، إذا سألت
فسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله فلا تحلف إلا به ، ولا تقدم النذر
إلا له ولا تتوكل إلا عليه ولا تفوض أمرك إلا إليه ولا ترج إلا الله .
يا صاحب الهم إن الهم منفرجأبشر بخير ، فأن الفارج اللهوالله ما لكم غير الله من أحدفحسبك الله في كل لك اللهروى
البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل قال : كنت رديف النبي يوما على حمار
فقال النبي لمعاذ " يا معاذ أتدرى ما حق الله على العباد ؟ " فقال معاذ :
الله ورسوله أعلم : فقال النبي " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا
به شيئا ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا "(
1)
فحق الله علينا أن نعبده وأن نوحده ، وأن نفرده بالطاعة وأن نمتثل أمره وأن نتجنب نهيه وأن نقف عند حده .
فهيا
أيها المسلمون : جددوا العبودية لله تبارك وتعالى ، امتثلوا أمره واجتنبوا
نهيه ، وقفوا عند حده تبارك وتعالى ، والعبادة ليست أمراً على هامش الطريق
فالعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة وأركانها كمال الذل لله ، مع كمال الحب لله ، وشروط
قبولها من الله أن تكون مخلصاً تبتغى بعبادتك وجه الله ، وأن تكون موافقاً
في عبادتك لهدى الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه .
(1)أخرجه
أحمد في مسنده (2/359) ، والطبراني في الكبير (1/52 مجمع) ، والحاكم في
مستدركه (1/4) . وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/159)
(1)أخرجه
مسلم في الإيمان – باب قوله عليه السلام : " إن الله لا ينام" (1/295
إيمان) ، وابن ماجه في المقدمة ، باب فيما أنكرت الجهمية (1/195) وأحمد في
مسنده (4/395،401) .
(1)أخرجه
البخاري في كتاب العلم ، باب ما جاء في العلم (1/63) تعليقا ، ومسلم في
الإيمان ، باب السؤال عن أركان الإسلام (1/10-11) ، والترمذي في الزكاة ،
باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك (3/619) ، والنسائي في كتاب
الصيام ، باب وجوب الصيام (4/2090) .
(1)أخرجه مسلم في كتاب النكاح ، باب حكم العزل (2/133نكاح) ، وأحمد في مسنده (3/49) والبيهقي في سننه (7/229)
(1) أخرجه أحمد في مسنده (4/210)
(1)أخرجه
البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب اسم الفرس والحمار (6/2856) ، ومسلم
في كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا
(1/49) ، والترمذي في كتاب الإيمان ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة
(5/2634) ، وأحمد في مسنده (5/234)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــ
الله هو الاسم العلم المفرد الدال على كل الاسماء الحسنى والصفات العلا .
الله اسم لصاحبه كل جلال
الله اسم لصاحبه كل جمال
الله اسم لصاحبه كل كمال
الله هو الاسم الذي ما ذكر في قليلاً إلا كثره
الله هو الاسم الذي ما ذكر عند خوف إلا أمنه
الله هو الاسم الذي ما ذكر عند كرب إلا فرجه
الله هو الاسم الذي ما ذكر عند هم إلا كشفه
الله هو الاسم الذي ما ذكر عند ضيق إلا وسعه
الله هو الاسم الذي ما تعلق به فقير إلا أغناه
الله هو الاسم الذي ما تعلق به مريض إلا شفاه
الله هو الاسم الذي ما تعلق به مضطر إلا نصره وآواه
الله هو الاسم الذي ما تعلق به دليل ضعيف إلا أعزه وقواه
الله هو الاسم الذي تستمطر به الرحمات
الله هو الاسم الذي تستنزل به البركات
الله هو الاسم الذي تستجلب به الحسنات
الله هو الاسم الذي تقال به العثرات
الله هو الاسم الذي تدفع به السيئات
الله هو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات
" وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ "الزمر67والسلام عليكم ورحمه الله وبركاتة