العقيدة هي أصل دعوات الرسل، إذ هي في حقيقتها الدعوة إلى الإيمان بكل صوره، وقد بين الله ذلك فيكتابه حين قال وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إليه إلا أنا فاعبدون}. وكما أنها أصل دعوة المرسلين فهي أيضا أصل وحدة المسلمين والدعوة إليها هي في الحقيقة الدعوة إلى لب الدين وأصوله التي ينبني عليها بقية أموره، ولولا العقيدة ما صح للناس دين ولا تقبل منهم عمل ولا صلحت لهم عبادة. ومن هنا كانت الثقافة العقدية للدعاة من أهم الأولويات وآكد الضروريات..
وقد كتب الشيخ القرضاوي حفظه الله عن الثقافة العقدية للدعاه في كتابه القيم "ثقافة الداعية" فقال: "ولا نريد بدراسة العقيدة دراسة منظومات المتأخرين في علم التوحيد و شروحها مثل الجوهرة أو الخريدة ونحوهما، ولا دراسة العقائد النسفية وما يتبعها من شروح وحواش، ولا دراسة المطولات الكلامية مثل شرح المقاصد أو شر ح المواقف وما شابهها، فلم يعد كثير من مباحث هذه الكتب يحتاج إليه العقل المعاصر أو يستسيغه، ولم يعد يكفي للرد على شبهات الفلسفة الحديثة وما تثيره من مشكلات فكرية؛ لهذا يجب توفير الجهد الذهني الضخم الذي يبذل في هضم هذه الكتب، وحل ألغازها وفك طلاسمها، لما هو أجدى في الدفاع عن العقيدة وتثبيتها.
هذا بالإضافة إلى أن المباحث الكلامية ـ على عمقها وتعب الذهن في فهمها واستيعابها ـ لا تكون عقيدة ـ كل مهمتها الدفاع عن عقيدة تكونت بالفعل، ورد الشبهات عنها.
وأكثر من ذلك أن مباحث علم الكلام قد تأثرت بالتفكير اليوناني، والأسلوب اليوناني في معالجة شؤون العقيدة. ولهذا هاجم أئمة السلف علم الكلام وأهله، وشددوا الحملة عليه.
ضوابط يجب مراعاتها
لهذا نريد من دراسة العقيدة مراعاة ما يلي:
1- أن يكون كتاب الله تعالى، وما بينه من صحيح السنة، هو المصدر الفذ للعقيدة المنشودة، بعيدا عن الشوائب والزوائد والفضول، التي لحقت بها على مر العصور وبهذا تبقى العقيدة على صفائها ووضوحها وبساطتها، ولا نجعل آراء مدرسة معينة أصلا يحمل القرآن عليه، وتجر الآيات لتأييده.
2- أن نتبع منهج القرآن في مخاطبة العقل والقلب معها من أجل تكوين الإيمان الصحيح، فبناء العقيدة على العقل وحده كما هو اتجاه الفلاسفة، أو على القلب وحده كما هو اتجاه الصوفية، لا يتفق مع شمول المنهج الإسلامي الذي يقوم الإيمان فيه على اقتناع العقل، وانفعال القلب، وصدق الإرادة.
3- الاهتمام بأدلة القرآن التي ذكرها لإثبات معتقداته، وإقناع مدعويه، والرد على خصومه، وتفنيد ما يثيرونه من شبهات ومفتريات. مثل أدلة القرآن على وجود الله التي أشار إليها مثل ابن رشد في "مناهج الأدلة" والعقاد في "الله"، والجسر في "قصة الإيمان" وغيرهم. وكذلك أدلته على التوحيد، وعلى البعث وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وكلها أدلة عقلية برهانية صريحة، وليست خطابية أو إقناعية كما وهم بعض المتكلمين.
4- صرف الهمة إلى مشكلات العقل المعاصر، والاشتغال بقضايا العقيدة الكبرى مثل: وجود الله تعالى، توحيده، النبوة، الحياة الأخرى، القدر ـ أما المشكلات التاريخية مثل: خلق القرآن أو الصفات وعلاقتها بالذات: هل هي عين أم غير أم لا عين ولا غير الخ. فينبغي أن تدرس كتاريخ للفكر الإسلامي، ولا ننفق فيها من الوقت والجهد ما نحن في حاجة إليه لمواجهة معضلات زماننا.
5- الاستفادة من ثقافة العصر، وخصوصا في ميادين العلوم البحتة كالفلك والطب والفيزياء وغيرها ـ لتأييد قضايا العقيدة وتثبيتها. كما فعل ذلك كثير من المؤلفين في زماننا من الأجانب والمسلمين مثل صاحب "العلم يدعو إلى الإيمان"، وأصحاب"الله يتجلى في عصر العلم" وصاحب "قصة الإيمان" ومؤلف: الله العلم الحديث" و"الإسلام يتحدى"... وغيرها.
6- أن نتبنى طريقة السلف في وصف الله تعالى بما وصف به نفسه من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل. وهي الطريقة التي انتهى إليها أساطين علم الكلام من الأشاعرة وغيرهم، مثل أبي الحسن الأشعري في "الإبانة" والغزالي في "إلجام العوام عن علم الكلام" والفخر الرازي في "أقسام اللذات" حيث يقول فيه: "لقد تأملت المناهج الفلسفية، والطرق الكلامية، فلم أرها تشفي عليلا أو تنقع غليلا. ورأيت خير الطرق طريقة القرآن: اقرأ في الإثبات "الرحمن على العرش استوى" واقرأ في النفي "ليس كمثل شيء". ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي".
7- نتتبع شبهات المبشرين والمستشرقين والشيوعيين وغيرهم من خصوم الإسلام وتلاميذهم، والرد عليها ردا علميا فكريا بلسان العصر